Gilbert GHrandguillaume

Anthropologue arabisant,
spécialiste du Maghreb et du Monde arabe.

Nedroma, l'évolution d'une médina Arabisation et politique linguistique au maghreb Sanaa Hors les murs
Bibliographie Compte-rendus Entretiens Préfaces en arabe   باللغة العربية

Articles
 
.
الهيمنة الذكورية كيف نحرر المرأة [1]
جريدة الأحداث المغربية، يوم الخميس 19 نونبر 1998 ترجمة: محمد أسليــم

على ماذا ترتكز الهيمنة الذكورية؟ أهي معطى طبيعي أم بناء تاريخي؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه بورديو في هذا المؤلف الصادر ضمن سلسلة Liber التي يشرف عليها هو نفسه. وهو سؤال أساسي يمكن أن نضيف إليه سؤالا آخر: هل تتيح المقاربة بالسلطة التفكير في الشأن الأنثوي؟
للدخول في هذه الدراسة، على القارئ أن يتجاوز ما هو معتاد لدى بورديو من تعقيد في الأسلوب ومرجعية ذاتية... وما إن يعفى القارئ من هذا المكس المزدوج حتى يلج الغنى المثير لنص يرمي إلى القيام «بسوسيولوجيا تحليلية حقيقية عبر الإثنولوجيا». في هذه المحاولة لإزاحة الستار عن لا شعور تاريخي، ينعطف بيير بورديو إلى المجتمع القبائلي (مجتمع «الحس العملي») حيث يقرأ نفسه، بمعنى ما، وبكيفية سافرة لاستكشاف نظيره في المجتعات العصرية الغريبة، انطلاقا من تأملات ودراسات حالات مختارة من ضفتي الأطلسي. لا نزعم تلخيص مؤلف بمثل هذا الوزن، وفي المقابل سنعرض محاوره الكبرى التي تقع في الخط المستقيم لأعمال عالم اجتماع كوليج دُ فرانس.
هيمنة الطبيعة
تقدم الهيمنة الذكورية التي تشيع ممارستها على الصعيد الكوني باعتبارها ظاهرة طبيعية، متجذرة في اختلاف الجنسين. بيد أن هذه الهيمنة في الواقع هي نتيجة بناء تاريخي مُقام انطلاقا من «عناصر متماثلة». على هذا النحو نفكر هيمنة مقولات الفكر التي تعتبر هي نفسها نتيجة لهذه الهيمنة. على قاعدة الاختلاف الفيزيولوجي الملاحظ، يقوم نظام من التصنيف كوني يقابل في جميع المجالات بين الأعلى والأسفل، الحار والبارد، النشيط والسلبي، الوالج والمولج، الثمين والزهيد، القوي والضعيف.
لبناء هذه «الأركيولوجيا الموضوعية في لاشعورنا»، يستعمل بيير بورديو التقليد القبائلي الذي يعلن عن نفسه باعتباره «رؤية فالونرجسية» «كوزمولوجيا أندرو مركزية» مشتركة بين سائر مجتمعات البحر الأبيض المتوسط. ومن ثمة، يبين بالتفاصيل كيف يسقط مجتمع ما تشغيل رأسماله الرمزي (الشرف) على التقابل مذكر – مؤنث، بإعادة تفسير معطيات الحياة الاجتماعية والرمزية بحسب هذا التقابل الأولي. إن سلطة الرجال وشرفهم هما اللذان يقتضيان أن تعمل النساء في المنزل، وهذا يجد تبريره في كونهن ضعيفات غير قادرات على التصدي للأعداء: «أكيد أن الطبيعة صنعت أشياء... وتكمن أصالة بورديو هنا في إظهار "إوالية قلب العلاقة بين الأسباب والنتائج" التي أدت إلى تقديم هذا البناء الاجتماعي كأنه طبيعي: إن الاختلافات المرئية بين الجسدين الذكوري والأنثوي تغدو هي ضامن القيم المصنوعة غير القابل للنقاش. تصور رهيب ما دام "يشرعن" علاقة الهيمنة بتسجيلها في طبيعة بيولوجية هي بدورها بناء اجتماعي مُطبَّع».
هيمنة متقاسمة
في الواقع، يتعبر هذا «العمل في تشييد الشأن الرمزي» تشغيلا لعنف رمزي وكأنه عنف طبيعي، ذلك أنه يطبع النساء والرجال على حد سواء. هكذا تجد النساء أنفسهن تحكين وضعيتهن استنادا إلى معايير الإيديولوجيا الذكورية المهينة، محرضات على انتقاصهن الذاتي. وبالاستناد إلى إحصائيات، يظهر بيير بورديو إلى أي حد تتبنى أغلبتهن، وبكيفية لا شعورية كليا، وجهة نظر الرجال في تقييم تصرفاتهن. هكذا، فإن ثلثي النساء الفرنسيات يصرحن برفضهن الاقتران برجل يصغرهن سنا، مبديات بذلك تعلقهن بعلامات التربية الجنسية».
المرأة موضوع للتبادل
في السابق، كانت نظرية ليفي ستروس القائلة بأن «الرجال يتبادلون النساء» تثير صراخ النسويين... بيد أن مقصد الأنثروبولوجي الشهير لم يكن سيئا، إذ يرى أن الرجال بتبادلهم النساء إنما يتبادلون علامات تبادل استمد صبغة الضرورة من المؤسسة البشرية المرتكزة على منع غشيان المحارم. لقد نظر مؤلفون آخرون إلى هذا التبادل من زاوية أكثر مادية، لدرجة بدا معها من الصحيح أن النمذجة العامة (مذكر – مؤنث) نسخة هي ذات موضوع، فاعل – أداة. بين هاتين النظريتين لتبادل النساء باعتبارهن علامات أو بضائع، يدخل بيير بورديو «الغموض الأساسي الذي يطبع اقتصاد الممتلكات الرمزية»: هذا الاقتصاد «يحول أدوات خامة مختلفة، في مقدمتها النساء... إلى هبات (وليس إلى منتوجات)، أي إلى علامات للتواصل غير قابلة للفصل عن أدوات الهيمنة». في هذا التبادل لألعاب المصارعة المعمم، والمتمثل في الاستراتيجيات الذكورية الساعية إلى نيل الشرف والسلطة، تكون النساء موادا للتبادل يطلب منها الرجال بالخصوص ألا تظهر بمظهر الفاعل (حتى عندما يبدو هذا واضحا بما فيه الكفاية، كما في الحبل...).
ومثل هذا العطش للهيمنة لا يدعو بالتأكيد إلى الإحساس بالراحة الكاملة... إذا كان ثمة عنف يمارس على النساء، فهناك أيضا عنف بين الرجال. «الامتياز الذكوري هو أيضا فخ ويجد مقابله في التوتر والنزاع الدائم المدفوع أحيانا إلى العبث»، الذي يفرضه على كل رجل «واجب إثبات رجولته في كل مناسبة». الرجولة موقع محفوف بالمخاطر: في اليمين يجب مواجهة الرجال، وفي الشمال يجب الارتياب من النساء «القويات بسائر أسلحة الضعف»: بالسحر. وهذا ما لاشك فيه، لكن خصوصا بالمخاوف التي تثيرها استيهامات لم يثرها الكتاب.
في القسم الثاني، ويحمل عنوان «سوابق الثوابت الخفية»، يعيد المؤلف تناول مختلف العمليات التي بها يمكن لهذه الرؤية الذكورية أن تنخرط في لاشعور فردي وجماعي عبر ترويض الأجساد: ترسيخ الذكورة باعتبارها نبلا، ترسيخ الكائن الأنثوي باعتباره مدركا من قبل الرجل. أعاد تناول ذلك مستدعيا الروائية فرجينيا وولف لولوج «رؤية أنثوية للرؤية الذكورية».
أما القسم الثالث، فيدرس عوامل الديمومة وعوامل التحول. إعادة إنتاج القيم الذكورية تدوم في تعدد الأوضاع التاريخية بدعم من المؤسسات التربوية: العائلة بالتأكيد، والدولة، والكنيسة، ثم مؤسسات أخرى: الحقول الواسعة المفتوحة في وجه الكفاحات النسوية.
اختلاف للجنسين: إشكالي الطبيعة دائما
ونحن نطوي هذا الكتاب، لا يمكننا إلا أن نؤيد صلابة بنائه العقلاني الذي يتجاوز مجرد (The race theory)، وهو ما يؤاخذ بيير بورديو به الغير، لا يمكننا إلا أن نشاطر انشغاله، عبر سوسيولوجيته التحليلية، بالبرهنة على خطاطات شديدة النسبية بقدر ما هي قمعية جدا. ومع ذلك، يبقى سؤال يحول بيننا والاقتناع كليا بهذا البناء كما ويمنعنا من الانخراط فيه كليا: هل عالج هذا الكتاب السؤال في العمق؟ هل تتيح أطروحته للمرأة أن تجد مكانتها؟ ما هو هذا اللاشعور الذي يكشف لنا بيير بورديو عن ستاره؟
إذا اتبعنا خط التحليل الذي اختاره المؤلف، فأي منظور يمنح نفسه للنساء؟ هل سيتمكن من المشاركة على قدم المساواة في السباق على السلطة الذي هو قدر البشرية؟ إذا ما تعرض هذا البناء الاجتماعي للتقليص، فهل ستكون المرأة رجلا؟ في هذا المستوى بالضبط يدرك القارئ فجأة أن سياق الهيمنة والسلطة هو رؤية ذكورية لاختلاف الجنسين: إنها تطبع هذا (الرجل الأكثر «نبلا» ، لكن الآخر (الأنثى) ما هو؟ هل الأنوثة انعدام رجولة؟ أكيد أن بورديو عندما يعرف هذه الرجولة – بتبني أطروحات فرويد وعدد كبير من المحللين النفسانيين الذكور اليوم – بأنها حرمان من القضيب (phallus)، فإنه يسد الطريق أمام الطبيعة الفعلية للشأن الأنثوي، وكأنه وقع، بانقلاب عجيب للأشياء، في فخ الإيديولوجيا التي يشجبها. في هذه الحالة، قد يخامرنا الشك في الأثر التحريري الذي يمكن أن تجنيه النساء من سوسيولوجيته.
أحد الأجوبة عن الأسئلة السابقة تقدمه لنا المحللة النفسانية فرانسواز دولطو التي أعيد نشر قسم من مؤلفاتها بعناية المحللة النفسانية موريل دجيريبي. في رد فعل ضد تحليلات فرويد الجزئية، تدحض فرانسواز دولطو التقابل بين الرجل «الذي يملكه (القضيب) والمرأة التي «لا تملكه». وتقوم بذلك ليس استنادا إلى معايير نظرية، ولكن بإنصات للإناث من مرضاها. والأساس في دحضها تمثل (représentation) الجنس لدى الطفل ولدى الطفلة. فمقابل قضيب الطفل، ليس للطلفة «لا شيء»، وإنما لها «ثقب وبرعم»: ها نحن تخلصنا من البديل «ملكية / عدم ملكية». أكثر من ذلك، فهي تميز بين قضيب نابذ (قضيب الطفل وقضيب وقضيب جابذ (ما تود البنت الحصول عليه). «عكس ما كان يعتقد فرويد... فإن القضيب النابذ تم تجاوزه بسرعة... ففي جميع حالات الصحة الوجدانية، لا نقاش في شعور الاعتزاز الذي يساور البنات لكونهن يمتلكن فرجا شكله التناسلي «ثقب وبرعم». لدى كل من الجنسين، هناك دينامية تكاملية، لكنها واقعية: «في ارتباط بهذه الإتيكا اللاشعورية عند الجنسين، هناك دينامية تكاملية، لكنها واقعية: «في ارتباط بهذه الإتيكا اللاشعورية عند الجنسين، يلاحظ في اللغة الفرنسية أن للفعل «جذب» معنى يختلف باختلاف الجنسين. فبالنسبة للطفل هو الجر... هناك دينامية جاذبة لدى البنت، مرتبطة بكلمة «جر»، ودينامية نابذة لدى الطفل مرتبطة بالكلمة نفسها».
لا يكف المحللون النفسانيون عن ترديد أن اختلاف الجنسين تعليم إعدادي للاختلاف. هذا الوعي بالاختلاف، ومن ثم بالحد، هو ما يتيح الانفلات من وهم القوة – المطلقة، ومن جنون السلطة. وهذا المحتوى الإيجابي للاشعور الأنثوي لا يستطيع أن يتفتح إلا في تكامله – لا في تقليصه ولو بذريعة المساواة – مع الدوانية القلقة التي تميز الجنس الآخر. هناك بالتأكيد استيهام ذكوري لـ «حكي الأصول» بتخطي النساء»، استيهام لأخذ مكانتهن في الإنجاب، كما يشير إلى ذلك بيير بورديو، من أجل وضع حد نهائي لـ «مجيء الواحد من اثنين»، حتى داخل أسطورة فرنكنشتاين الحديثة. لكن، رغم جميع «البلاغات»، فإن المرأة تستمد من الإنجاب اطمئنانا يظل الرجل محروما منه: «لأن المرأة تكون دائما موقنة من أمومتها، فهي لا ترى ضرورة في منح اسمها للطفل، وذلك بخلاف الرجل الذي لا يمكنه معرفة أبوته إلا من كلام زوجته. وكذلك الأمر عند الطفل: فهو يعلم من هي أمه، لكنه لا يعرف من أبوه إلا عن طريق كلام أمه. لكي تكون المرأة امرأة، فهي ليست في حاجة لأن يقول لها الآخرون باستمرار: إنك امرأة». وهو ما يبين جيدا إمكانية تحقيق تطور يمكن أن يكون شيئا آخر غير بارانويا السلطة الراسخة في الرؤية الذكورية للجنس. لا يمكن أن يتحقق تحرير المرأة في العمق إلا داخل الاعتراف بتكامل الجنسين فيما بينهما.
هوامــش
[1] Pierre Bourdieu, La domination masculmine, Paris, Seuil, Coll. Liber, 1998 (150p. 85 F.F)
[2] عنوان مؤلف شهير لبيير بورديو، خصصه للمجتمع القبائلي، ونشره تحت عنوان:
Le sens pratique, Minuit, Coll. Le Sens commun, 1980 (480 p)
[3] op. cit. La domination masculmine,
[4] Françoise Dolto, Sexualtité féminine. La libido génitale et son destin féminin, Gallimard, 1996
[5] Ibid., p. 91
[6] Ibid., p. 168
[7] Nicole Loraux, Les enfants d’athéna, Maspréro, 1981, p. 1
[8] Monette Vacquin, Frankenstein ou les délires de la raison, Ed. François Bourin, 1989.
[9] Françoise Dolto, 1996, p. 175


Gilbert GHrandguillaume

Anthropologue arabisant,
spécialiste du Maghreb et du Monde arabe.

Tel. 33.1.60 23 62 88
Mail : gilbertgrandguillaume@yahoo.fr